responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله    الجزء : 1  صفحة : 107
نَبِيًّا مِنَ زمرة الأنبياء الصَّالِحِينَ لتبليغ احكام الله الى عباده وهدايتهم الى جنابه
ثم لما سمع زكريا من الملائكة ما سمع من البشارة قالَ متحسرا مستبعدا حصول الولد منه لكونه على خلاف جرى العادة مناجيا مع ربه على سبيل التأسف رَبِّ يا من رباني بنعمك الى كبر سنى أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ اى من اين يحصل لي ولد منى في كبر سنى وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ غايته وَالحال ان امْرَأَتِي عاقِرٌ عقيم ذات عقر من الأولاد في اصل الخلقة ومع ذلك كبيرة اليوم لا ترجى منها الولادة وبعد ما قد بث الشكوى نحو الحق متحسرا متأسفا قالَ له جبريل بوحي الله إياه لا تستبعد من كمال قدرة الله أمثال هذا فانه سبحانه كَذلِكَ يخلق عموم ما يشاء سبحانه بلا سبب يوافق العادة إذ اللَّهُ المقتدر المختار يَفْعَلُ ويوجد ما يَشاءُ من الموجودات ابداعا واختراعا بلا سبق مادة ومدة واسباب عادية فلك ان ترفع غشاوة الأسباب الحاجبة عن البين وتنسب ما جرى في ملكه اليه سبحانه بلا رؤية الوسائط والأسباب إذ لا حجاب عند اولى الألباب بل كل ما صدر عنه لا يتوقف على شيء من سوابقه ولا يتوقف عليه شيء من لواحقه عند اولى البصائر الناظرين بنور الله في تجددات تجليات الوجود الإلهي
ثم لما تفطن زكريا عليه السّلام من هذا الكلام ما تفطن قالَ مستسرعا مستنشطا رَبِّ يا من رباني بأنواع اللطف والكرم اجْعَلْ لِي بفضلك آيَةً امارة وعلامة اعرف بها الحمل والحبل ليفرح بها قلبي وأخلص عن التردد والانتظار قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ اى أنت لا تطيق التكلم معهم لعدم مساعدة آلاتك عليه مدة ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ولا تعلمهم حوائجك إِلَّا رَمْزاً اشارة بيد ورأس وغير ذلك وَبعد ما حبست نفسك عن التكلم والتنطق اذْكُرْ رَبَّكَ في نفسك ذكرا كَثِيراً وَسَبِّحْ اى نزه ربك عن مطلق النقائص تسبيحا مقرونا بِالْعَشِيِّ اى جميع أجزاء الليل وَالْإِبْكارِ اى جميع أجزاء النهار لتستوعب أنت جميع أوقاتك وآنائك بتسبيحه. من هذا تفطن العارف ان الداعي المناجى الى الله المستجيب من لدنه سبحانه لا بد له ان يفرغ قلبه عن غير الله ويستوعب أوقاته بذكره بل يكل لسانه عن ذكر الغير مطلقا حتى يفوز بمطلوبه ويجيب له بفضله وطوله
وَاذكر يا أكمل الرسل لمن تبعك من مدائح آل عمران واصطفاء الله إياهم سيما وقت إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ بأمر الله ووحيه لمريم رضى الله عنها ملهمين لها منادين على سرها أبشري يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ الذي أظهرك من كتم العدم ورباك بأنواع اللطف والكرم قد اصْطَفاكِ واختارك لخدمة بيته مع انه لم يعهد اختيار النساء للخدمة وَطَهَّرَكِ بفضله عن مطلق الخبائث والأدناس العارضة للنسوان وَاصْطَفاكِ اى قد خصصك وفضلك بهاتين الخصلتين الحميدتين عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ وانما خصها سبحانه بما خصها لتكون آية ومقدمة لعموم ما يترتب على وجودها ويظهر منها من البدائع التي قد اودعها الله في نفسها من حملها بلا مباشرة احد بل بمجرد كلمة ملقاة من عنده وإرهاصات ومعجزات صدرت منها ومن ابنها بحيث لم يظهر مثلها من الرسل والأنبياء ثم لما أخبرت الملائكة إياها باصطفائه سبحانه نادتها الملائكة ثانيا بأمر الله ايضا تعليما لها التوجه والرجوع الى الله على وجه الخضوع والتذلل والإخبات والخشوع
يا مَرْيَمُ المختارة المقبولة عند الله اقْنُتِي اى توجهي وتضرعي لِرَبِّكِ الذي رباك بلطفه وقبلك نذيرة من أمك واصطفاك على نساء العالمين بأنواع الفضائل شكرا لما تفضل عليك وَاسْجُدِي تذللي واخضعى ملقية جباهك على تراب المذلة والهوان

اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله    الجزء : 1  صفحة : 107
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست